معركة الكرامة
(هي معركة فاصلة في تاريخ الثورة الفلسطينية الحديثة و هي المعركة التي دارت رحاها في بلدة الكرامة الأردنية في غور الأردن بتاريخ 21/3/1968 بين الفدائيين و الجيش الأردني من جهة وبين القوات الإسرائيلية المجهزة بالطائرات والدبابات من جهة، وحققت فيها قوات حركة (فتح) بشكل أساسي، وعدد من القوات الفلسطينية الأخرى مثل (ج.ت.ف) نصرا أضاء ظلام سماء هزيمة حزيران1967، وكان موشية ديان وزير الدفاع الإسرائيلي حينذاك يقود الهجوم الإسرائيلي.)
وكان الهجوم الإسرائيلي على الكرامة يهدف إلى:
- إنهاء العمل الفدائي الفلسطيني، واعتقاد موشي دايان بأن هذه مهمة سهلة لن تحتاج إلا لساعات معدودة.
- معاقبة الأردن على احتضانه للعمل الفدائي الفلسطيني وقيامه بإسناد الفدائيين الفلسطينيين في اشتباكاتهم مع الجيش الإسرائيلي على طول الجبهة الأردنية.
- احتلال مرتفعات السلط وتحويلها إلى حزام أمنى لإسرائيل تماما كما حدث بعد ذلك في جنوب لبنان.
مجريات معركة الكرامة
تشكلت القوة الإسرائيلية المهاجمة من قوات رأس الجسر ومن لواءين من المشاة والمظليين ولواءين من الدروع وعدد من طائرات الهليكوبتر لإنزال المظليين على الكرامة وخمس كتائب مدفعية وأربعة أسراب طائرات جوية، أما قوة الهجوم الرئيسية حسب البيان الرسمي الأردني فقد تشكلت من فرقة مدرعة وفرقة مشاة آلية ، وواضح من هذا الحشد الهائل أن العملية كانت تستهدف الاحتلال.
وفي الخامسة والنصف صباح يوم الحادي والعشرين من آذار عام 1968 م تحركت القوات الإسرائيلية لاجتياح الأغوار على أربعة محاور : محور العارضة ومحور وادي شعيب ومحور سويمة ومحور )للتضليل والخداع( وهو محور غور الصافي من جنوب البحر الميت حتى الصافي ، وقد اصطدمت بمقاومة عنيفة بعد محاولة التقدم الأولى ودفعت بقواتها الجوية وركزت القصف المدفعي على مرابض المدفعية الأردنية ومواقع الفدائيين الفلسطينيين.
وفي الساعة العاشرة صباحا وصلت بلدة الكرامة – معقل الفدائيين – بعدما كانت قد أنزلت قوات محمولة خلف البلدة ودارت في أزقة المخيم معارك بالسلاح الأبيض والأحزمة الناسفة ، وفي الساعة 11:30 طلبت إسرائيل وأمام خسائرها الهائلة ، ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي من الجنرال (أودبول) كبير المراقبين الدوليين وقف إطلاق النار، وتم انسحاب آخر الجنود في الساعة الثامنة والنصف مساء حيث تكبدت إسرائيل خسائر إضافية خلال انسحابها من جراء القصف المدفعي الأردني وكمائن المقاومة الفلسطينية المنتشرة على كافة المحاور.
" لقد كانت معركة الكرامة قرار مواجهة وتضحية ، ولكن بإيمان من يصنع حقيقة جديدة يمكن أن تكون نقطة تحول في تاريخنا وتاريخ ثورتنا الفلسطينية ونضالنا العربي ، وكانت الكرامة نقطة تحول حقيقية ورغم امكاناتنا المتواضعة وإعدادنا القليلة فقد خسرنا حوالي 97 شهيدا وبعض الأسرى إلى جانب تدمير مخيم الكرامة ، إلا أن هذه المعركة أعطت في تاريخ النضال الفلسطيني والعربي دفعة جديدة إلى الأمام ، وهيأت للثورة القدرة على النمو ، كنا بعد يوم واحد من معركة الكرامة نجلس تحت أشجار مدينة السلط حيث تقف في مواجهتنا طوابير ممتدة من القادمين للتطوع والالتحاق بالثورة ، نبدأ التسجيل في السابعة صباحا ولا ننتهي إلا في الثامنة مساء ، لقد تفجرت روحية العطاء لدى جماهير شعبنا وامتنا اثر تلك المعركة الخالدة ."
رواية مشهور حديثة قائد الفرقة الأولى يوم الكرامة
" لقد دخل الإسرائيليون الكرامة ، واشتبك الجنود والفدائيون معهم بالسلاح الأبيض، ولكن المعركة لم تكن سهلة عليهم، ولم يستطيعوا تحقيق هدف استئصال الحركة الفدائية الفلسطينية وضرب القوات المسلحة الأردنية. وهنا أقول بكل فخر، أنني استطعت تجاوز الخلاف الذي كان ناشئا آنذاك بين الفدائيين والسلطة الأردنية، فقاتل الطرفان جنبا إلى جنب، وكقوة موحدة تحت شعار : كل البنادق ضد إسرائيل، فكانت النتيجة والحمد لله مشرفة".
ويضيف أنه أجرى التنسيق للمعركة مع : "أبو عمار شخصيا، وكذلك المرحوم أبو صبري، وقادة المواقع الفلسطينية في محور الكرامة ومحور الشونة بشكل خاص. كان هناك تنسيق على كل الجبهات ، وقد أصدرت تعليماتي بأن يتم التنسيق بين الجيش وبين قوات العمل الفدائي في كل المواقع الأخرى، إيمانا منى بأن المعركة حاسمة ضد هذه الأمة كلها."
ويقول: " وكان قرارنا فيها الصمود والانتصار بأي ثمن، فقاتل الجميع من ضباط وجنود وفدائيين جنبا إلى جنب ، واستشهد عدد كبير من الضباط، وهذا مخالف لما يحدث عادة حيث تكون أغلبية الشهداء من الجنود، أما سببه فيعود إلى القرار بأن يكون الضباط في المقدمة مع الجنود."
وأضاف قائلا:" دخل الجيش الإسرائيلي معركة الكرامة بحوالي فرقتين : منها فرقة منقولة وقام بإنزال جوي وإسناد مدفعي وقصف جوي كثيف .طبقا" للحسابات العسكرية كان حجم قواتنا بالنسبة لقوة المهاجمين (1-) إذ أن قواتنا المشاركة هي الفرقة المتواجدة في المنطقة وتضم ثلاثة ألوية ، وكان لديهم مساندة جوية هائلة عندهم ونحن لا نملك طائرة .ومقاومتنا الجوية قليلة (12- مدفعا فقط ) بالنسبة للعدو كانت الطلعة الواحدة تضم تشكيلات من خمس إلى مئة طائرة وقاموا بأكثر من مائة طلعة ، ولك أن تتصور حجم كثافة النيران الهائلة التي لم يتعود عليها جنودنا من قبل ، وليس لها مثيل في تاريخ الصراع العسكري حتى ذلك الوقت .
"الفدائيون قاتلوا ببسالة نادرة وقدموا حوالي مائة شهيد ، وهذه الخسائر الكبيرة قياسيا" لحجمهم المتواضع في ذلك الوقت يثبت خطأ المقولة بأن الفدائيين لم يشتركوا في المعركة ، هذا كلام غير صحيح ، فقد اشتركوا بكل بطولة وبروح معنوية عالية ، وقدموا تضحيات كبيرة حيث اشتبكوا مع الإسرائيليين في الكرامة بالسلاح الأبيض واستبسلوا وأبلوا بلاء حسنا، الشيء الوحيد الذي حز في نفسي هو الإنزال الإسرائيلي على الكرامة ، إذ لم استطع أن أعالجه بالقصف المدفعي ، فذلك كان سيؤدي لقتل أهلنا من مدنيين وفدائيين داخل المخيم والبلدة ، فلو كان إنزالهم على مواقع عسكرية لانقضت عليهم مدفعيتنا بكل قوة ، ولكن القتال كان وجها" لوجه داخل الكرامة فكيف سأتدخل بالقصف المدفعي ؟! .
"هناك من قال أن المعركة قام بها الفدائيون وحدهم ، وكان دور الجيش الأردني محدودا" ، وهناك من قال في المقابل بأنه لا دور على الإطلاق للفدائيين ، وللحقيقة وللتاريخ أقول أن الدوريين متكاملان : دور الجيش ودور الفدائيين الذين أهلكوا القوات الإسرائيلية بقتالهم وجها" لوجه مع الإسرائيليين الذين لم يألفوا مثل هذه الشجاعة وبالكمائن التي اصطادوا بها الدبابات بقذائف ال( آر بي جي ) " .
ويقول صخر حبش "أن إقدام إسرائيل على عبور نهر الأردن للاشتباك بمقاتلينا في الكرامة والكريمة، اللتين كانتا تكتظان بالفدائيين، و كان يقطنهما أكثر من 100 ألف لاجيء فلسطيني قبل شهرين من المعركة. وقد هجرتها الجماهير بعد سلسلة القصف المتواصل بهدف الترحيل.
وكان من الطبيعي أن لا يتبع الفدائيون الهجرة مع المواطنين، لأنه في ذلك تكون النهاية. لذلك فقد اختارت الحركة المجازفة بعد أن اعتمدت على أن الموقف الوطني والقومي للجيش الأردني لا يمكن أن يقبل ويسلم بعبور القوات الإسرائيلية نهر الأردن لتضرب قواعد الفدائيين و القوات الأردنية في شرق النهر لتكون هناك هزيمة جديدة تضاف لهزيمة حزيران."
واستطرد صخر حبش قائلاً: " قبل أيام نشر قائد فرقة المظليين الإسرائيليين التي أنزلت خلف الكرامة على الجبال والمؤلفة من 70 مظلياً، كانت مهمتهم الأساسية قتل الفدائيين، وكانوا يعتقدون أنهم سيهربون من الكرامة، أو يؤسرون، تحدث قائد الفرقة عن الخطة وقال انه وجد نفسه بين نارين، نار الفدائيين المتمترسين في مواقعهم ونار الفدائيين الذين قاتلوا كل القوات التي هاجمتهم، والمفاجأة الأكبر كانت مشاركة الجيش الأردني بمدفعيته الأمر الذي أذهلهم ويتحدثون الآن عن أضعاف أعداد الإصابات عما اعترفوا به في حينه."
وأضاف "غنمت المقاومة" بعض الدبابات الإسرائيلية، وخسرت إسرائيل ثمانية وعشرين جندياً كما أن بعض الجثث ظلت في ساحة المعركة، وبعد انسحاب القوات الإسرائيلية بدأت احتفالات فلسطينية بالنصر وامتدت إلى ساحات العالم العربي، وظهر اسم ياسر عرفات علناً بعد أيام على معركة الكرامة بصدور بيان رسمي عن اللجنة المركزية لمنظمة فتح يخول ياسر عرفات بإصدار البيانات باسم حركة فتح وأن يكون المتحدث الرسمي لها."
" وهكذا بدأ ألوف من الشباب الفلسطينيين في التدفق على قيادات ومعسكرات فتح في الأردن وفي بعض الدول العربية الأخرى. ولم يشكل مقتل أكثر من مئة من مقاتلي حرب العصابات في المعركة عائقاً أمام نشوء أسطورة الكرامة."
دلالات معركة الكرامة :
أما عن دلالات معركة الكرامة التي قال عنها هاني الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح أنها أوقف التقهقر العربي وانهزام الجندي العربي من وقتها ، قال فيها صخر حبش عضو اللجنة المركزية في فتح أيضا: أنها معركة تعبر عن انعطاف تاريخي في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وبالتحديد لها دور كبير جداً في مفهوم حركة فتح النضالي، إذ أنها تنطلق بفكر وطني ثوري يعتمد الكفاح المسلح وحرب العصابات أسلوبا للنضال يتراكم ليحقق تحرير الوطن. ووجدت نفسها أمام مأزق التشبث بالنظريات السائدة وبين اختيارها أسلوبا جديداً للمواجهة يتعارض مع كل الأسس النظرية لحرب العصابات.
أكدت هذه المعركة للمقاتل الفلسطيني، بأن الجيش الأردني يقاتل إلى جانبه بغض النظر عن بعض الأحداث. وعلى الرغم من الرؤيا القائلة بأن إسرائيل هي الجيش الذي لا يقهر، لكن المعركة غيرت هذا المفهوم وحولت الجيش الإسرائيلي إلى الجيش الذي يمكن قهره، حينما وجد الإسرائيليون دباباتهم في الوحل، كما وجدت جثث سائقي الدبابات داخل دباباتهم المحترقة مكبلة بالسلاسل خوفاً من هربهم، كما لاحظ الناس بأن ربحي والفسفوري وأبو اميه وأبو شريف الذين فجروا أنفسهم بأحزمتهم الناسفة تحت وفي داخل الدبابات، لاحظوا الفرق بين الذي يطلب الموت لتوهب له الحياة وبين الذين يخشون الموت فيموتون وهم إحياء، وهو الحدث الذي يعبر عن أهمية الشموخ الفلسطيني والتلاحم الأردني، فمعركة الكرامة كانت منعطفاً تاريخياً خطيراً، وقد نكون استثمرنا فيه النصر أكثر من اللازم. حيث تنازلت (فتح) عن مبدئها في شروط عضويتها واقبل على الالتحاق بها الآلاف يومياً، واكتسبت المقاومة الفلسطينية والحركة مداً جماهيرياً منقطع النظير، وبالتحديد حركة فتح لكونها التنظيم الفلسطيني الوحيد الذي اتخذ قرار المواجهة، وشاركت معه في المعركة قوات التحرير الشعبية بينما اعتبرت التنظيمات الأخرى بأن هذا العمل هو انتحار، ومخالف لنظريات حرب العصابات، إلا أن هؤلاء الشهداء هم الذين بنوا المجد الذي صنعته الكرامة في ارض الأردن امتداداً لأرض فلسطين، هذه القضية تدل على العمق الحقيقي لأهمية القتال، خاصة عندما يكون هنالك تضافر ووحدة، وحدة الجيش مع وحدة العمل الفدائي التي خلقت الأسطورة، فلم يكن بمقدور الجيش لوحده العمل، وكذلك الفدائيين، فهذه الأسطورة مركبة ومزدوجة ويعود فيها الفضل إلى القرار الشجاع الذي اتخذته حركة فتح بالصمود في أرض المعركة."
وكان الهجوم الإسرائيلي على الكرامة يهدف إلى:
- إنهاء العمل الفدائي الفلسطيني، واعتقاد موشي دايان بأن هذه مهمة سهلة لن تحتاج إلا لساعات معدودة.
- معاقبة الأردن على احتضانه للعمل الفدائي الفلسطيني وقيامه بإسناد الفدائيين الفلسطينيين في اشتباكاتهم مع الجيش الإسرائيلي على طول الجبهة الأردنية.
- احتلال مرتفعات السلط وتحويلها إلى حزام أمنى لإسرائيل تماما كما حدث بعد ذلك في جنوب لبنان.
مجريات معركة الكرامة
تشكلت القوة الإسرائيلية المهاجمة من قوات رأس الجسر ومن لواءين من المشاة والمظليين ولواءين من الدروع وعدد من طائرات الهليكوبتر لإنزال المظليين على الكرامة وخمس كتائب مدفعية وأربعة أسراب طائرات جوية، أما قوة الهجوم الرئيسية حسب البيان الرسمي الأردني فقد تشكلت من فرقة مدرعة وفرقة مشاة آلية ، وواضح من هذا الحشد الهائل أن العملية كانت تستهدف الاحتلال.
وفي الخامسة والنصف صباح يوم الحادي والعشرين من آذار عام 1968 م تحركت القوات الإسرائيلية لاجتياح الأغوار على أربعة محاور : محور العارضة ومحور وادي شعيب ومحور سويمة ومحور )للتضليل والخداع( وهو محور غور الصافي من جنوب البحر الميت حتى الصافي ، وقد اصطدمت بمقاومة عنيفة بعد محاولة التقدم الأولى ودفعت بقواتها الجوية وركزت القصف المدفعي على مرابض المدفعية الأردنية ومواقع الفدائيين الفلسطينيين.
وفي الساعة العاشرة صباحا وصلت بلدة الكرامة – معقل الفدائيين – بعدما كانت قد أنزلت قوات محمولة خلف البلدة ودارت في أزقة المخيم معارك بالسلاح الأبيض والأحزمة الناسفة ، وفي الساعة 11:30 طلبت إسرائيل وأمام خسائرها الهائلة ، ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي من الجنرال (أودبول) كبير المراقبين الدوليين وقف إطلاق النار، وتم انسحاب آخر الجنود في الساعة الثامنة والنصف مساء حيث تكبدت إسرائيل خسائر إضافية خلال انسحابها من جراء القصف المدفعي الأردني وكمائن المقاومة الفلسطينية المنتشرة على كافة المحاور.
" لقد كانت معركة الكرامة قرار مواجهة وتضحية ، ولكن بإيمان من يصنع حقيقة جديدة يمكن أن تكون نقطة تحول في تاريخنا وتاريخ ثورتنا الفلسطينية ونضالنا العربي ، وكانت الكرامة نقطة تحول حقيقية ورغم امكاناتنا المتواضعة وإعدادنا القليلة فقد خسرنا حوالي 97 شهيدا وبعض الأسرى إلى جانب تدمير مخيم الكرامة ، إلا أن هذه المعركة أعطت في تاريخ النضال الفلسطيني والعربي دفعة جديدة إلى الأمام ، وهيأت للثورة القدرة على النمو ، كنا بعد يوم واحد من معركة الكرامة نجلس تحت أشجار مدينة السلط حيث تقف في مواجهتنا طوابير ممتدة من القادمين للتطوع والالتحاق بالثورة ، نبدأ التسجيل في السابعة صباحا ولا ننتهي إلا في الثامنة مساء ، لقد تفجرت روحية العطاء لدى جماهير شعبنا وامتنا اثر تلك المعركة الخالدة ."
رواية مشهور حديثة قائد الفرقة الأولى يوم الكرامة
" لقد دخل الإسرائيليون الكرامة ، واشتبك الجنود والفدائيون معهم بالسلاح الأبيض، ولكن المعركة لم تكن سهلة عليهم، ولم يستطيعوا تحقيق هدف استئصال الحركة الفدائية الفلسطينية وضرب القوات المسلحة الأردنية. وهنا أقول بكل فخر، أنني استطعت تجاوز الخلاف الذي كان ناشئا آنذاك بين الفدائيين والسلطة الأردنية، فقاتل الطرفان جنبا إلى جنب، وكقوة موحدة تحت شعار : كل البنادق ضد إسرائيل، فكانت النتيجة والحمد لله مشرفة".
ويضيف أنه أجرى التنسيق للمعركة مع : "أبو عمار شخصيا، وكذلك المرحوم أبو صبري، وقادة المواقع الفلسطينية في محور الكرامة ومحور الشونة بشكل خاص. كان هناك تنسيق على كل الجبهات ، وقد أصدرت تعليماتي بأن يتم التنسيق بين الجيش وبين قوات العمل الفدائي في كل المواقع الأخرى، إيمانا منى بأن المعركة حاسمة ضد هذه الأمة كلها."
ويقول: " وكان قرارنا فيها الصمود والانتصار بأي ثمن، فقاتل الجميع من ضباط وجنود وفدائيين جنبا إلى جنب ، واستشهد عدد كبير من الضباط، وهذا مخالف لما يحدث عادة حيث تكون أغلبية الشهداء من الجنود، أما سببه فيعود إلى القرار بأن يكون الضباط في المقدمة مع الجنود."
وأضاف قائلا:" دخل الجيش الإسرائيلي معركة الكرامة بحوالي فرقتين : منها فرقة منقولة وقام بإنزال جوي وإسناد مدفعي وقصف جوي كثيف .طبقا" للحسابات العسكرية كان حجم قواتنا بالنسبة لقوة المهاجمين (1-) إذ أن قواتنا المشاركة هي الفرقة المتواجدة في المنطقة وتضم ثلاثة ألوية ، وكان لديهم مساندة جوية هائلة عندهم ونحن لا نملك طائرة .ومقاومتنا الجوية قليلة (12- مدفعا فقط ) بالنسبة للعدو كانت الطلعة الواحدة تضم تشكيلات من خمس إلى مئة طائرة وقاموا بأكثر من مائة طلعة ، ولك أن تتصور حجم كثافة النيران الهائلة التي لم يتعود عليها جنودنا من قبل ، وليس لها مثيل في تاريخ الصراع العسكري حتى ذلك الوقت .
"الفدائيون قاتلوا ببسالة نادرة وقدموا حوالي مائة شهيد ، وهذه الخسائر الكبيرة قياسيا" لحجمهم المتواضع في ذلك الوقت يثبت خطأ المقولة بأن الفدائيين لم يشتركوا في المعركة ، هذا كلام غير صحيح ، فقد اشتركوا بكل بطولة وبروح معنوية عالية ، وقدموا تضحيات كبيرة حيث اشتبكوا مع الإسرائيليين في الكرامة بالسلاح الأبيض واستبسلوا وأبلوا بلاء حسنا، الشيء الوحيد الذي حز في نفسي هو الإنزال الإسرائيلي على الكرامة ، إذ لم استطع أن أعالجه بالقصف المدفعي ، فذلك كان سيؤدي لقتل أهلنا من مدنيين وفدائيين داخل المخيم والبلدة ، فلو كان إنزالهم على مواقع عسكرية لانقضت عليهم مدفعيتنا بكل قوة ، ولكن القتال كان وجها" لوجه داخل الكرامة فكيف سأتدخل بالقصف المدفعي ؟! .
"هناك من قال أن المعركة قام بها الفدائيون وحدهم ، وكان دور الجيش الأردني محدودا" ، وهناك من قال في المقابل بأنه لا دور على الإطلاق للفدائيين ، وللحقيقة وللتاريخ أقول أن الدوريين متكاملان : دور الجيش ودور الفدائيين الذين أهلكوا القوات الإسرائيلية بقتالهم وجها" لوجه مع الإسرائيليين الذين لم يألفوا مثل هذه الشجاعة وبالكمائن التي اصطادوا بها الدبابات بقذائف ال( آر بي جي ) " .
ويقول صخر حبش "أن إقدام إسرائيل على عبور نهر الأردن للاشتباك بمقاتلينا في الكرامة والكريمة، اللتين كانتا تكتظان بالفدائيين، و كان يقطنهما أكثر من 100 ألف لاجيء فلسطيني قبل شهرين من المعركة. وقد هجرتها الجماهير بعد سلسلة القصف المتواصل بهدف الترحيل.
وكان من الطبيعي أن لا يتبع الفدائيون الهجرة مع المواطنين، لأنه في ذلك تكون النهاية. لذلك فقد اختارت الحركة المجازفة بعد أن اعتمدت على أن الموقف الوطني والقومي للجيش الأردني لا يمكن أن يقبل ويسلم بعبور القوات الإسرائيلية نهر الأردن لتضرب قواعد الفدائيين و القوات الأردنية في شرق النهر لتكون هناك هزيمة جديدة تضاف لهزيمة حزيران."
واستطرد صخر حبش قائلاً: " قبل أيام نشر قائد فرقة المظليين الإسرائيليين التي أنزلت خلف الكرامة على الجبال والمؤلفة من 70 مظلياً، كانت مهمتهم الأساسية قتل الفدائيين، وكانوا يعتقدون أنهم سيهربون من الكرامة، أو يؤسرون، تحدث قائد الفرقة عن الخطة وقال انه وجد نفسه بين نارين، نار الفدائيين المتمترسين في مواقعهم ونار الفدائيين الذين قاتلوا كل القوات التي هاجمتهم، والمفاجأة الأكبر كانت مشاركة الجيش الأردني بمدفعيته الأمر الذي أذهلهم ويتحدثون الآن عن أضعاف أعداد الإصابات عما اعترفوا به في حينه."
وأضاف "غنمت المقاومة" بعض الدبابات الإسرائيلية، وخسرت إسرائيل ثمانية وعشرين جندياً كما أن بعض الجثث ظلت في ساحة المعركة، وبعد انسحاب القوات الإسرائيلية بدأت احتفالات فلسطينية بالنصر وامتدت إلى ساحات العالم العربي، وظهر اسم ياسر عرفات علناً بعد أيام على معركة الكرامة بصدور بيان رسمي عن اللجنة المركزية لمنظمة فتح يخول ياسر عرفات بإصدار البيانات باسم حركة فتح وأن يكون المتحدث الرسمي لها."
" وهكذا بدأ ألوف من الشباب الفلسطينيين في التدفق على قيادات ومعسكرات فتح في الأردن وفي بعض الدول العربية الأخرى. ولم يشكل مقتل أكثر من مئة من مقاتلي حرب العصابات في المعركة عائقاً أمام نشوء أسطورة الكرامة."
دلالات معركة الكرامة :
أما عن دلالات معركة الكرامة التي قال عنها هاني الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح أنها أوقف التقهقر العربي وانهزام الجندي العربي من وقتها ، قال فيها صخر حبش عضو اللجنة المركزية في فتح أيضا: أنها معركة تعبر عن انعطاف تاريخي في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وبالتحديد لها دور كبير جداً في مفهوم حركة فتح النضالي، إذ أنها تنطلق بفكر وطني ثوري يعتمد الكفاح المسلح وحرب العصابات أسلوبا للنضال يتراكم ليحقق تحرير الوطن. ووجدت نفسها أمام مأزق التشبث بالنظريات السائدة وبين اختيارها أسلوبا جديداً للمواجهة يتعارض مع كل الأسس النظرية لحرب العصابات.
أكدت هذه المعركة للمقاتل الفلسطيني، بأن الجيش الأردني يقاتل إلى جانبه بغض النظر عن بعض الأحداث. وعلى الرغم من الرؤيا القائلة بأن إسرائيل هي الجيش الذي لا يقهر، لكن المعركة غيرت هذا المفهوم وحولت الجيش الإسرائيلي إلى الجيش الذي يمكن قهره، حينما وجد الإسرائيليون دباباتهم في الوحل، كما وجدت جثث سائقي الدبابات داخل دباباتهم المحترقة مكبلة بالسلاسل خوفاً من هربهم، كما لاحظ الناس بأن ربحي والفسفوري وأبو اميه وأبو شريف الذين فجروا أنفسهم بأحزمتهم الناسفة تحت وفي داخل الدبابات، لاحظوا الفرق بين الذي يطلب الموت لتوهب له الحياة وبين الذين يخشون الموت فيموتون وهم إحياء، وهو الحدث الذي يعبر عن أهمية الشموخ الفلسطيني والتلاحم الأردني، فمعركة الكرامة كانت منعطفاً تاريخياً خطيراً، وقد نكون استثمرنا فيه النصر أكثر من اللازم. حيث تنازلت (فتح) عن مبدئها في شروط عضويتها واقبل على الالتحاق بها الآلاف يومياً، واكتسبت المقاومة الفلسطينية والحركة مداً جماهيرياً منقطع النظير، وبالتحديد حركة فتح لكونها التنظيم الفلسطيني الوحيد الذي اتخذ قرار المواجهة، وشاركت معه في المعركة قوات التحرير الشعبية بينما اعتبرت التنظيمات الأخرى بأن هذا العمل هو انتحار، ومخالف لنظريات حرب العصابات، إلا أن هؤلاء الشهداء هم الذين بنوا المجد الذي صنعته الكرامة في ارض الأردن امتداداً لأرض فلسطين، هذه القضية تدل على العمق الحقيقي لأهمية القتال، خاصة عندما يكون هنالك تضافر ووحدة، وحدة الجيش مع وحدة العمل الفدائي التي خلقت الأسطورة، فلم يكن بمقدور الجيش لوحده العمل، وكذلك الفدائيين، فهذه الأسطورة مركبة ومزدوجة ويعود فيها الفضل إلى القرار الشجاع الذي اتخذته حركة فتح بالصمود في أرض المعركة."
معركة الكرامة " يوما من أيام العرب الخالدة " ج 2 من 2
حكاية ثورة (الكرامة )
تعليقات