الشهيد البطل عماد عقل
أن يترجل فارس من فلسطين في ساحة الشرف ليس بالحدث الجديد ، فلقد أصبح الاستشهاد على طريق الجهاد قدر الشعب الفلسطيني منذ أن اتخذ قراره بالدفاع عن دينه ووطنه وحريته
وعندما يترجل الفارس المقدام عماد عقل قلب الساحة التي لا تحتضن إلا الأبطال نكون قد ازددنا اقتراباً من النصر والعزة ، فالطريق لا يعبد إلا بدماء الشهداء ولا يضاء إلا ببطولتهم التي لا يضيرها خيانة خائن أو غدر منافق أو خذلان جبان ...والله إنه ليصعب على القلم ويشق على بنانه أن يكتب بمداده عن مجاهد سقط على طريق الحق والإيمان شهيداً ،
فكيف بالحديث عن فارس مثل (عماد عقل) رمزاً وقائداً ومجاهداً ؟؟!! لن يستطيع المداد أن يعطيه حقه من التكريم وهو الفارس - كإخوانه أبطال القسام - يرفض الحديث ويتجنب الإعلام والدعاية واضعاً نصب عينيه (قتل الجنود الاسرائيليين عبادة نتقرب بها إلى الله) .
المولد والنشأة
في التاسع عشر من يونيو من عام ألف وتسعمائة وواحد وسبعين يطل (عماد حسن إبراهيم عقل) إلى الدنيا في مخيم جباليا ، وكان الوالد الذي يعمل مؤذناً لمسجد الشهداء في مخيم جباليا قد اختار لابنه الذي جاء ثالثاً بين الذكور هذا الاسم (عماد) تيمناً بالقائد المسلم (عماد الدين زنكي) الذي قارع الصليبيين ، في الوقت الذي كانت كل القيادات متخاذلة .
نشأ (عماد) وتربى على طاعة الله في هذا البيت المتدين الفخور بعقيدته ، وبدا واضحاً منذ نعومة أظافره تمتعه بالذكاء والعبقرية ، ولهذا صمم والده على أن يواصل مسيرته التعليمية حيث تفوقه بحصوله على مرتبة متقدمة بين الأوائل ، وكما كان متوقعاً أحرز (الشهيد عماد عقل) الترتيب الأول على مستوى المدرسة وبيت حانون والمخيم في شهادة الثانوية العامة (التوجيهي) بعد ذلك تقدم بأوراقه وشهاداته إلى معهد الأمل في مدينة غزة لدراسة الصيدلة ، إلا أنه ما إن أتم إجــــراءات التسجيل ودفع الرسوم المقررة حتى وجد جنود الاحتلال يعتقلونه في 23/9/1988م ويقدمونه إلى المحكمة بتهمة الانتماء لحركة (حماس) والمشاركة في فعاليات الانتفاضة المباركة .
تربى في أحضان عائلته المتدينة
عمّر الإيمان قلب (الشهيد عماد عقل) حيث تربى في أحضان عائلته المتدينة والمساجد القريبة من مكان سكناه التي اعتاد ارتيادها منذ أن بلغ الثانية عشرة ، وجد في مسجد النور القريب من مدرسة الفالوجة ضالته ، إذ عرفه أحد الإخوة الفضلاء على دعوة الإخوان وحبه للجهاد والاستشهاد ، نما وترعرع في رحاب المسجد ورضع لبن العزة والكرامة من خلال الدروس العلمية والتنظيمية والتعبوية حتى نضجت في مشاعره جذوة الجهاد والاستشهاد واستوت على سوقها مع بدء الانتفاضة ، ولقد تميز الشهيد رحمه الله بعمله الدءوب لما تتطلبه هذه المرحلة من ضرورة التواجد الإسلامي المكثف في مخيم جباليا الذي كان يسمى فيما سبق مخيم الثورة لما للتنظيمات الأخرى من قوة وتواجد فيه ، فشارك إخوانه في استنهاض همة الشباب وتجميع الصالحين منهم .
حب الجهاد والمقاومة
واكبت حركة (عماد) ونشاطه وقوة حبه للجهاد وقتال اليهود اشتعال الانتفاضة الفلسطينية المباركة وتصاعد وتيرتها وامتدادها على طول رقعة الوطن المحتل ، وما أن أطلقت (حركة الإخوان المسلمون) في قطاع غزة لشبابها وأنصارها العنان لقيادة المظاهرات وتوجيه الجماهير منذ الثامن من كانون أول (ديسمبر) من عام 1987 حتى تقدم الشهيد الصفوف مشكلاً المجموعات من الشباب المسلم في المخيم لملاحقة جنود الاحتلال وقطعان المستوطنين الذين كانوا يعيثون فساداً وتخريباً .
كما شارك الشهيد رحمه الله في كتابة الشعارات الجدارية ضد العدو الصهيوني ، وعرف عنه ولعه الشديد بالمظاهرات والمسيرات الاحتجاجية ، فشارك في الكثير من فعاليات الانتفاضة ضمن مجموعات السواعد الرامية التي تكونت في المخيم بعد انبثاق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) جناحاً ضارباً (لجماعة الإخوان المسلمين) في الضفة الغربية وقطاع غزة .
الإعتقال الأول والأخير
وباعتقال مجموعة كبيرة من كوادر وشباب حماس في ما يسمى ضربة آب (أغسطس) 1988، تعرض (عماد) وشقيقه (عادل) للاعتقال في الثالث والعشرين من أيلول (سبتمبر) من ذلك العام حيث أودع السجن ثمانية عشر شهراً إثر صدور الحكم عليه من محكمة عسكرية ظالمة بتهمة الانتماء لحركة حماس ، والمشاركة في فعالياتها وتكوين مجموعات مجاهدة وإلقاء زجاجات حارقة ، وما أن خرج الشهيد رحمه الله من المعتقل في آذار (مارس) 1990 حتى عاد إليه مرة أخرى إذ وجهت إليه سلطات الاحتلال تهمة تجنيد أحد الشباب المجاهدين في تنظيم حماس، فقضى الشهيد في المعتقل هذه المرة شهراً آخر بعد أن تيقنت أجهزة المخابرات الإسرائيلية أنه اعترف في المرة السابقة بالتهمة التي وجهت إليه .
خروج من السجن
وخرج من السجن بعزم وتصميم لا يلين على مواصلة طريق الجهاد ونيل الشهادة في سبيل الله حيث كان دائم الحديث عن جهاد (الرسول صلى الله عليه وسلم) وعن الشهادة والشهداء وبطولات (خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وصلاح الدين وسيف الدين قطز) وغيرهم من قادة الفتح الإسلامي ، ولذلك لم يرق لشهيدنا البطل أن يظل مقتصراً في جهاده على الحجر والمقلاع ، بل راح يبحث عن درجة أعلى من ذلك ، وعمّا يزيد من إلحاق الخسائر في صفوف جنود الاحتلال والمستوطنين والعملاء وتجار المخدرات ، فبدأ اتصالاته وتحركاته فور خروجه من المعتقـــل للالتحاق بالجهاز العسكري لحركة حماس المعروف باسم (كتائب الشهيد عز الدين القسام) الذي يلبي رغباته وطموحاته العسكرية ، فكان له ما أراد إذ أفرز في مجموعة (الشهداء) ، وهي من المجموعات الأساسية الأولى التي بدأت العمل في المنطقة الشمالية من القطاع بملاحقة العملاء الخطرين وتصفية بعضهم ، ثم اندمج تلقائياً في كتائب القسام وبدأ بممارسة مهامه الجهادية على أفضل ما يكون .
وعلى الرغم من وجود من هو أكبر منه سناً وأقدم منه في المرتبة التنظيمية ، إلا أن ما يتمتع به الشهيد (عماد عقل) من ذكاء وفطنة وخفة حركة إلى جانب حذره واستعداده الدائم جعلت قيادة الكتائب ومجاهدي المجموعة يختارونه ضابط اتصال لهم ينقل التعليمات والأوامر والخطط وكل ما يتعلق بشأن المجموعة من وإلى القيادة .
راحوا يصوبون سكاكينهم وخناجرهم إلى صدور المجرمين الساقطين في شباك العمالة والخيانة بتخطيط متقن وعمليات نوعية جريئة أثارت جنون اليهود ورفعت لواء عز الدين القسام في عزة وإباء، فقد كانت المجموعة تخطف العميل وتحقق معه مستفيدة مما لديه من معلومات ومسجلة اعترافاته على أشرطة تسجيل كوثائق للإدانة وأدلة لا يمكن إنكارها ، ثم تنفذ فيه حكم الله إذا رفض التوبة ، وكان لهذه العمليات الناجحة وقع بالغ عند الجماهير لما لها من أثر واضح في تطهير المجتمع من العناصر الفاسدة التي سممتها المخابرات الإسرائيلية ، وظل الناس يتابعون في شغف عمليات الكتائب التطهيرية في غزة وجباليا والشيخ رضوان ومخيم الشاطىء ، وكم كان استغرابهم عندما يسارعون إلى مكان الاختطاف أو إعدام العميل إن كان من الخطرين أو المعروفين بشكل جلي لا لبس فيه ، فلا يجدون المجاهدين وكأنهم تبخروا في الجو .
رحلة المطاردة
في ليلة معتمة كان المجاهدان مجدي حماد ومحسن العايدي على موعد مع القدر ، فقد وقع المجاهدان في الأسر أثناء محاولتهما عبور خط الحدود الدولية بين فلسطين المحتلة ومصر بالقرب من مدينة رفح في السادس والعشرين من كانون أول (ديسمبر) 1991 ، ليرسلا فوراً إلى قلعة الأبطال (سجن سرايا غزة) حيث يمارس التعذيب البشع والحرب النفسية والإرهابية ضد المجاهدين البطلين حتى تبدأ الصفحة المختفية في الظهور وتبرز الكلمات والخطوط والأسماء أمام عيون الجلادين الصهاينة ، فاضطر المجاهد مجدي تحت هذا التعذيب إلى الكشف عن أسماء أعضاء مجموعة ( الشهداء ) التي كان عضواً فيها ، منذ ذلك التاريخ أصبح شهيدنا البطل مطلوباً لقوات الاحتلال وأجهزة مخابراتها ووحداتها الخاصة والمستعربة .
لكن شهيدنا الذي هزم الخوف منذ أن بايع على الشهادة راح يواجه واقعه الجديد بشجاعة وإقدام، وإذا كان مجدي - فك الله أسره - قد اضطر إلى الاعتراف بأن (عماد عقل) هو ضابط اتصال المجموعة ، فإن الشهيد القائد لم يرتعب ولم يضعف ، بل زاده هذا الأمر شجاعة وفرض عليه في نفس الوقت أن يظل على أهبة الاستعداد يحمل روحه على كفه وبندقيته على كتفه ، فقد عزم على الجهاد حتى الشهادة ورفض أن ينسحب من الميدان ويخرج خارج الوطن وبقي وفياً لقسمه، إذ نقل عنه - رحمه الله - عند بداية مطاردته قوله : " من الآن فصاعداً فأنا مطارد للاحتلال وعليه سوف أذيقهم العلقم بإذن الله" .
شهيدنا مع خمسة من إخوانه مطَاردون
عاش شهيدنا البطل مع إخوانه الخمسة المطاردين حياة الأخوة بمعناها الحقيقي ، ومما يسجل للشهيد ما يرويه أحد الإخوة المجاهدين الذين عرفوه ، إذ يقول هذا الأخ : في أحد مكامنه كنت وأحد الإخوة معه فقمنا نصلي ، ففضل البقاء في حراستنا ثم صلى بعد ذلك حتى لا نؤخذ على حين غرة ، كان خلال ذلك يحرث الغرفة جيئة وذهاباً وكأنه يفكر في أمر يشغله ، وضع بعدها لنا الطعام فما يتناول سوى لقيمات قائلاً لا أريد الإكثار حتى لا أتثاقل إلى الأرض فيشغلني ذلك عن مقارعة أعداء الله .
ضاقت مدينة غزة بمطاردي مجموعة الشهداء ، فقد انضم عشرة أخوة مجاهدين من (كتائب الشهيد عز الدين القسام) إلى قائمة المطاردين الجدد ، والخوف من أعمال التمشيط العسكري للبيارات والملاجىء والمنازل أصبح هاجساً يتملك المطاردين في هذه البقعة الصغيرة ، إلى جانب شح السلاح في ذلك الوقت .
الانتقال إلى الضفـة الغربية
وأمام هذا الوضـع الجديد ، وحفاظاً على الإخوة المطاردين وتوفيراً للجهد المضني في توفير الملجأ ، وتسهيل الحركة لهذه الأعداد تم التخطيط لخروج مطاردي (مجموعة الشهداء) من قطاع غزة والانتقال إلى الضفـة الغربية حيث تم تشكيل الجهاز العسكري لحركة حماس هناك وحمل أيضاً اسم (كتائب الشهيد عز الدين القسام) اسوة بما هو معمول به في قطاع غزة .
وكذلك جاء اختيار مجموعة الشهداء الانتقال إلى الضفة الغربية اختياراً موفقاً ، فقد خفف الانتقال العبء عن قطاع غزة من جانب وأعطى دفعة قوة للضفة الغربية بتكوين الخلايا المسلحة التابعة لكتائب القسام من جهة أخرى .
وقبل الانتقال مع مجموعة الشهداء إلى الضفة الغربية ، لابد من الوقوف مع الحدث البارز في سجل عماد عقل في تلك الفترة ، ألا وهو أول عملية عسكرية له ضد جنود الاحتلال ، ففي الرابع من آيار (مايو) 1992م أطلق عماد عقل رصاصه القسامي مستخدماً بندقية كارلو غوستاف ضد قائد الشرطة في قطاع غزة الجنرال (يوسيف آفنيبغد) أن أوقعته المجموعة في كمين نصبته له عند مفترق الشيخ (عجلين) ، غير أن العملية لم تسفر إلا عن إصابة سيارة (الشاباك) المرافقة له .
انتقل الشهيد (عماد عقل) عن طريق حاجز إيرز وهو المعبر الوحيد الذي يربط قطاع غزة بفلسطين المختلة عام 1948 إلى الضفة الغربية في الثاني والعشرين من آيار (مايو) 1992 ، واستقر في مدينة القدس وما هي إلا أيام قليلة حتى تبع الشهيد إلى القدس وبنفس الطريقة بقية أفراد المجموعة حيث تم استئجار شقتين آخريين في رام الله.
وبعد أن اكتمل عقد المجموعة تم ترتيب اتصال مجموعة الشهداء بمسؤول (كتائب عز الدين القسام) في الضفة الغربية حيث طلبت المجموعة تزويدها بالسلاح الحديث .
ضربة صعبة
وفي هذه الأثناء بدأت المجموعة التخطيط لتنفيذ عملية في قلب مدينة القدس تكون بمثابة الثأر للمجزرة الوحشية التي ارتكبتها قوات حرس الحدود الصهيوني في ساحة المسجد الأقصى قبل أكثر من عام ونصف ، ولكن لا راد لقضاء الله وقدره ، فقد تعرضت المجموعة لأكبر هزة تصيبها بعد انتقالها للضفة الغربية ، إذ اعتقل المجاهدون (محمد أبو العطايا ، ومحمد أبو عايش ومحمد حرز) في مساء يوم الأربعاء 29 يوليو (تموز) 1992 في إحدى الشقق التي استأجرتها المجموعة في رام الله بعد عمليات رصد مكثفة من قبل أجهزة المخابرات الإسرائيلية التي فقدت أثر هؤلاء المجاهدين في قطاع غزة ، فكان لون بشرة (أبو عايش) واعتراف بعض الشباب في القطاع عن وجودهم في الضفة الغربية طرفي الخيط في تكثيف عمليات المتابعة لهم في الضفة الغربية .
الضربة القاسية التي تلقتها (كتائب الشهيد عز الدين القسام) باعتقال ثلاثة من خيرة مجاهديها شكلت بداية النهاية لعمل مجموعة الشهداء أو من تبقى من المجموعة كوحدة واحدة ، فبعد أن تمت مراسلة القيادة في قطاع غزة وقدوم من أعاد ربطهم بكتائب عز الدين القسام في الضفة العربية إثر انقطاع الاتصال في أعقـاب مداهمة العدو للشقة في رام الله ، انتقل (عماد عقل) وأخويه (طلال نصار وبشير حماد) إلى مدينة خليل الرحمن حيث تم تزويدهم بالأسلحة الرشاشة والمسدسات استعداداً لبدء مرحلة جديدة من جهاد المجموعة .
شهدت مدينة خليل الرحمن نهاية عهد مجموعة الشهداء موحدة عمل واحدة ، إذ طلب من (عماد عقل) البقاء في المدينة وتولي مسؤولية القائد العسكري للعمليات في منطقة الخليل في حين نُقل الأخوان الآخران إلى مدينة نابلس لترتيب أوضاع المطاردين هناك ، فضم الشهيد القائد عماد عقل بندقيته إليه وقبض عليها بكلتا يديه ليكتب قصة المجد والجهاد عبر خطوات القسام الأولى في مدينة الخليل .
التخطيط لأسر جندي من جيش الاحتلال
شكل موضوع تزايد أعداد المعتقلين من كتائب الشهيد عز الدين القسام إلى جانب الأعداد الكبيرة من معتقلي حركة المقاومة الإسلامية حماس وأجهزتها الأمنية والعسكرية وعلى رأسهم شيخ الإنتفاضة المجاهد (أحمد ياسين) ، وما يعانونه من تعذيب وظروف صحية واجتماعية ونفسية صعبة داخل المعتقلات والسجون الإسرائيلية هاجساً سيطر على تفكير الشهيد منذ أن تولى مسئولية العمليات في منطقة الخليل ، ولهذا الغرض شرع القائد (عماد عقل) بالتخطيط لأسر جندي من جيش الاحتلال الصهيوني او أكثر واستخدام هؤلاء الأسرى كرهائن من أجل مبادلتهم بأبطال حماس وكتائب عز الدين القسام المعتقلين ، فطلب من مساعديه في وقت لاحق إيجاد مغارة كبيرة مناسبة في التلال المجاورة لمدينة الخليل تصلح أن تكون مكاناً آمناً حتى يمكن إخفاء الجنود الأسرى فيها.
وعندما تم ترتيب أمر المغارة ، تم تدريب الشباب الذين تم فرزهم من بين صفوف نشطاء الحركة على السلاح وتنظيمهم في إطار كتائب الشهيد عز الدين القسام باسم (مجموعة شهداء الأقصى) ، وبهذه المجموعة المجاهدة ، مضى الشهيد القائد في ثبات وتفاعل رغم كثرة التبعات وجسامة التحديات ولسان حاله يصرخ لن أترك أحفاد القردة والخنازير أمنين يعبثون ويفسدون، وإذا كان (عماد) قد تولى مسؤولية قيادة كتائب القسام في مدينة الخليل وما يتبع هذه المسؤولية من إشراف على تجنيد المجاهدين وتدريبهم على استخدام الوسائل القتالية وإعدادهم للقيام بعمليات ضد قوات الاحتلال ، إلا أن ذلك لم يحل دون مشاركته في العمليات العسكرية الجريئة التي نفذتها مجموعة شهداء الأقصى تخطيطاً وتنفيذاً.
ففي الحادي والعشرين من تشرين أول (أكتوبر) 1992 هاجمت مجموعة الشهيد القائد بالأسلحة الأوتوماتيكية سيارة (رينو 5) عسكرية كانت تسير على طريق الظاهرية باتجاه مدينة الخليل حيث قامت السيارة التي أقلت (عماد) وإخوانه بتتبع البيارة العسكرية ومن ثم إطلاق النار من البنادق الرشاشة على السيارة بعد الاقتراب منها مما أدى إلى إصابة جميع ركابها بإصابات مختلفة ، وبعد أربعة أيام من هذه العملية البطولية نفذ الشهيد القائد رحمه الله بالاشتراك مع اثنين من إخوانه عمليته العسكرية الثانية في منطقة الخليل والتي وصفها أحد ضباط القيادة في جيش الاحتلال بأنها من أجرأ العمليات التي استهدفت المواقع العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية ، إذ اقترب (عماد عقل وهارون ناصر الدين) من معسكر جيش الاحتلال القريب من (الحرم الإبراهيمي الشريف) ، وعلى بُعد ثلاثين متراً من الجنديين الذين كانا يتوليان الحراسـة بدأ البطلان بإطلاق النار من أسلحتهما الرشاشة دون أن يتمكن جنود الاحتلال من الرد عليهما أو تعقبهما عند انسحابهما في السيارة التي كانت تنتظرهما ، وقد اعترف الناطق العسكري الإسرائيلي في وقت لاحق بمقتل ضابط صف لم تنقذه واقية الرصاص التي كان يرتيديها في حين أصيب الجندي الثاني بجروح خطيرة .
في ضوء هذا النشاط الملحوظ الذي طرأ في الضفة الغربية ومنطقة الخليل بالذات في أعقاب سلسلة العمليات العسكرية الناجحة (لكتائب الشهيد عز الدين القسام) ، نشطت فرق جهاز المخابرات الإسرائيلية (الشاباك) وعملائه في تحركاتهم السرية في محاولة لكشف سر المجموعة التي نفذت هذه العمليات التي وجهت بشكل خاص ضد جنود ودوريات الجيش وجعلت قيادة الاحتلال تعيد النظر في تقليص حجم القوات الإسرائيلية المنتشرة هناك ، ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل ، وذهبت جهود ضباط الشاباك الذين نشروا عملاءَهم بين الجماهير لعلها تأتي بخيط يقود إلى مجموعة (شهداء الأقصى) سدى ، واستمر الشهيد القائد رحمه الله ماضياً في جهاده المبارك ينظم ويدرب ويخطط في همة وحيوية وتفاعل ممتشقاً سلاحه ومنتعلاً حذاءه الرياضي باستمرار ومتابعاً لتحركات العدو ودورياته أولاً بأول وفيما هو كذلك جاء قضاء الله وقدره بأن يبدأ العد التنازلي لإقامة الشهيد القائد في مدنية (خليل الرحمن) التي أحبه أهلها وشبابها ممن عرفوه والتقوا به أو سمعوا أحاديثه عن الجهاد وهو يضرب كفاً بكف مكزاً على أسنانه تعبيراً عن الغيظ والحقد الذي يكنه لليهود المحتلين مع حملة الاعتقالات الكبيرة التي استهدفت بشكل أساسي القبض على النواة الصلبة لحركة حماس في المدينة بشكل عام ، واشتد الخناق أكثر على مجموعة (شهداء الأقصى) إثر توصّل المحققين الصهاينة إلى أحد مجاهدي كتائب القسام ، فانكشف سر المجموعة واعتقل عدد من مجاهديها في حين تمكن عدد آخر من الاختباء عن أعين ضباط الشاباك والالتحاق بركب المطاردين .
أسفرت التحقيقات التي أجراها جهاز الشاباك بالتعاون مع جيش الاحتلال عن الكشف عن علاقة القائد عماد عقل بمجموعات الخليل ودوره ضمن البناء الهيكلي والتنظيمي للجهاز العسكري في حركة حماس بالضفة الغربية مما جعل إقامته صعبة للغاية.
من الخليل عودة إلى غزة
غادر شهيدنا البطل مدينة خليل الرحمن في الثالث والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1992م ، متجهاً إلى قطاع العز والكرامة حيث استطاع اجتياز كافة الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش التي أقامها جيش الاحتلال ودخل عبر بوابة حاجز إيرز الذي يربط القطاع بالمناطق المحتلة عام 1948 متخفياً في زي مستوطن يهودي ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على جرأة وشجاعة منقطعة النظير ناهيك عن مقدرة فائقة على التأقلم وسرعة البديهة .
لم يكن الوضع في قطاع غزة بأخف وطأة على الشهيد القائد وإخوانه المطاردين ، فقد اشتدت الإجراءات الصهيونية وازدادت قساوة في مختلف مدن وقرى ومخيمات القطاع مع التصعيد الجهادي المتميز لكتائب الشهيد عز الدين القسام .
رابين يساوم ...!!!
بعد أن فشلت أجهزة المخابرات الصهيونية في الوصول إلى جنرال حماس وتصفيته لجأت إلى أسلوب آخر وهو المساومة حيث أن رئيس الوزراء الصهيوني رابين أتصل بأهله وعرض عليهم أن يخرج عماد إلى مصر أو الأردن بسلام على أن يعود بعد ثلاثة سنوات دون أن يقدم إلى المحاكمة فرد بطل الإسلام عماد بقولته " أن رابين لا يستطيع أن يمنع شابا قرر أن يموت " وهكذا أخذ عماد بندقيته وانتظر في ليلة الخامس والعشرين من شهر نوفمبر عام 92 على مدخل حي الشيخ رضوان في غزة ليردي برصاصه جنديا صهيونيا وبعدها بشهر كان يربض أمام مفرق الشجاعية في مدينة غزة ليصرع ثلاثة من الجنود بينهم ضابط كبير وفي نفس المفرق وبعد حوالي شهر استطاع أن يصيب اثنين من جنود الصهاينة وفي شهر مارس كانت رصاصاته تخترق أجساد ثلاثة من جنود الاحتلال في جباليا وغرب الشيخ رضوان عند منطقة السودانية كان عماد هناك وذلك في 20/3/1993م ليصرع ثلاثة من جنود الاحتلال ثم قفز إلى حي الزيتون ليقتل ثلاثة آخرين ثم كان في الخليل ليصرع جنديا ويجرح آخر وهكذا نفذ عماد خلال سنتين من المطاردة أكثر من 40 عملية منها إطلاق نار على الجنود والمستوطنين وخطف العملاء والتحقيق معهم وقتل العديد منهم .
الخروج إلى مصر
ومع ازدياد الضغط الذي يشكله وجود عشرات المطاردين دون أن يكون في مقدور مسئوليهم توفير الملجأ الآمن في أعقاب سياسة تدمير المنازل ، حينها قررت (قيادة كتائب الشهيد عز الدين القسام) الطلب إلى عدد كبير من هؤلاء المطاردين الاستعداد لمغادرة القطاع وعبور الحدود باتجاه مصر حيث بدأ المجاهدون المطاردون بالخروج على شكل مجموعات صغيرة ، وعندما جاء الدور على الشهيد (عماد عقل) اعتذر عن الخروج بإصرار ، فقد كان رحمه الله عازماً على الجهاد حتى الشهادة ، فرفض أن ينسحب من الميدان أو أن يخرج مغادراً الوطن الذي يحبه دون أن يقاتل حتى الرمق الأخير .
وبقي وفياً لقسمه ، قسم المؤمنين بالجهاد حلاً وحيداً لتحرير كل فلسطين حتى أكرمه الله بالشهادة ، ومما قاله لمسؤوليه الذين عرضوا عليه الخروج تلك العبارة الخالدة : " سأبقى في فلسطين حتى أنال الشهادة وأدخل الجنة ، هذا جهاد نصر أو استشهاد " ، هكذا ردد الشهيد الشيخ المجاهد عز الدين القسام الذي عبر عن البعد الإسلامي لقضية فلسطين بعد قدومه إلى فلسطين من سوريا في آواخر العشرينيات من هذا القرن .
وبهذا الشعار عمل مجاهدنا البطل الذي كان يفتخر بعضويته في كتائب الشهيد عز الدين القسام، فمضى يسطر بدمه ودماء إخوانه الطاهرة وتضحياتهم الجسيمة أبهى وأنصع الصفحات حتى أفقد العدو صوابه ، وارتدت رصاصات الغدر الصهيونية إلى نحور وأكباد أحفاد القردة والخنازير خلال عشرات الكمائن ، وعمليات إطلاق النار على جنود الاحتلال ودوريات جيشه وحرس حدوده التي نفذهاوقادها شهيدنا البطل في المنطقة الشمالية من قطاع غزة والتي تشمل مدينة غزة وأحياءها وبيت لاهيا ومخيمنا جباليا والشاطىء كان من أبرزها عملية الشيخ عجلين التي استهدفت جنود الحراسة في معسكر لجيش الاحتلال بعد يومين من قدومه من الخليل وعملية مفرق الشجاعية في السابع من كانون أول (ديسمبر) عام 1992 وعمليتي مقبرة جباليا في الحادي والعشرين من آذار (مارس) 1993م ، والكمين الجريء في حي الزيتون في الثاني عشر من أيلول (سبتمبر) والذي قتل فيه ثلاثة من جنود حرس الحدود ، وتم الاستيلاء على قطعتين (أم - 16) وعتاد ووثائق من السيارة العسكرية فيما بعد ، وهذه إحصائية بالعمليات التي نفذها الشهيد عماد عقـل .
التاريخ
|
الموقع
|
خسائر العدو البشرية (حسب مصادر العدو)
|
05/04/1992
|
الشيخ عجلين - غزة
|
تحطيم سيارة مخابرات وإصابة ركابها
|
21/10/1992
|
منطقة الحاووز - الخليل
|
أربعة جرحى بينهم ضابطة
|
25/10/1992
|
موقـع عسكري - الخليل
|
مقتل جندي وجرح آخر
|
25/11/1992
|
الشيخ رضوان - غزة
|
مقتل جندي
|
07/12/1992
|
طريق الشجاعية بيت لاهيا
|
ثلاثة قتلى بينهم ضابط
|
12/02/1993
|
مفترق الشجاعية - غزة
|
جريحان
|
12/03/1993
|
الطريق الشرقي -غزة
|
أربعة جرحى
|
20/03/1993
|
مقبرة الشهداء - جباليا
|
ثلاثة قتلى وأربعة جرحى
|
28/05/1993
|
غرب الشيخ رضوان - غزة
|
سبع إصابات
|
30/05/1993
|
حي قرقش -غـزة
|
غير محـدد
|
12/09/1993
|
حي الزيتون - غزة
|
ثلاثة قتلى
|
19/10/1993
|
بيت لاهيا
|
جريحان
|
إن دراسة العمليات العسكرية الجريئة والنوعية التي نفذها الشهيد خلال تلك الفترة تعطي فكرة عن هذا البطل الذي لفت أنظار الأعداء قبل الأصدقاء بنوعية عملياته وشجاعته التي قلما نجد مثيلاً لها ، ليسطر تاريخاً مديداً من الجهاد والمقاومـة .
فمن الملاحظ خلال النظر في قائمة العمليات والكمائن التي نفذها أن الشهيد كان يتميز بالحذر والاستعداد الدائم حيث كان كثير التنقل ولا يستقر في مكان واحد لأكثر من ثلاثة ايام ، وفي أثناء ذلك يكون مستعداً للتحرك ، يخطط لعملياته جيداً ثم يتوكل على الله ، فأحبه الناس ودعوا له مما كان له الأثر البالغ في انقاذه من كمائن كثيرة نصبتها له الوحدات الخاصة والمستعربة لالقاء القبض عليه .
مضى على مطاردة القوات الإسرائيلية للقائد (عماد عقل) أكثر من سنتين ، ظل خلالهما شهيدنا رحمه الله يجــوب الضفة الغربية وقطاع غزة بحثاً عن (الذئاب) الصهيونية من جيش وشرطة وحرس حدود .
ومع نجاح البطل ومجموعاته في اصطياد عدد كبير من هؤلاء دخلت عمليات صيد (الحرباء) أو (الشبح) أو ، (العقرب) وهي التسميات التي أطلقتها سلطات الاحتلال العسكريـة على شهيدنا الغالي طوراً جديداً حيث تم توسيع دائرة عمل الوحدات الخاصة المستعربـــة التي قتلت منذ تشكيلها أكثر من مائة مطارد من مختلف الفصائل والتنظيمات الفلسطينية بتشكيل قوة خاصة لمطاردة عماد بالذات ووضع ضابط الشاباك المدعو (أبو ياسين) لمتابعة المطارد (رقم واحد) بحيث لم يدع له مجالاً حتى للاقتراب من منزل والديه في (مخيم جباليا) ، ولكن هذه الإجراءات، لم تنل من القائد (عماد عقل) الذي تهيج مشاعره سخطاً على هذا العدو اليهودي ، وتشتد لهفته لمقاتلة أعداء الله دون أن يعرف المهادنة أو الرضوخ ، فتمضي أيام (أسطورة غزة) الخالدة بين قراءة القرآن وقيام الليل والدعاء المتواصل لله ثم التفكير في أحوال المسلمين وما يعانونه من ظلم ، متزيناً بصور ومآثر أبطال الإسلام وبنادق الحق التي تزغرد برصاص القساميين البواسل .
ومثلما جسّد الشهيد القائد ببطولاته وعملياته الهجومية الجريئة رغم حملات المطاردة المكثفة أسطورة الأجيال القادمة على المقاومة والدفاع عن الحقوق المشروعة والاستهانة ببطش العدو، غدا (عماد عقل) ايضاً أسطورة الأجيال القادمة على تحدي الأخطار المحدقة بشجاعة وبطولة واستعداداً للشهادة مقبلاً غير مدبر حتى اعترف جيش الاحتلال الذي هاجمه بأنه كان المهاجم لا المتصدي ، ولم يكن ذلك بالأمر الغريب على أسطورة غزة ، فقد صدق الله وطلب الشهادة بصدق فصدقه الله ونالها في نهاية الأمر ، ولعل تيقن شهيدنا البطل بالانتصار والفوز بالشهادة والتي بدأت في نفس اليوم الذي حمل فيه السلاح ، هذا الدافع الأكيد للجرأة المنقطعة النظيرة .
موعد مع الشهادة
لبى شهيدنا البطل الذي كان صائماً في ذلك اليوم ، طلب بعض الشباب بأن يتناول طعام الإفطار معهم في بيت لآل فرحات بجانب سوق الجمعة ومسجد الإصلاح بحي الشجاعية بمدينة غـزة ، وبعد تناوله الإفطار بمدة نصف ساعة ، أي في الساعة الخامسة والربع من مساء الأربعاء الموافق 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 1993 ، والذي يصادف الذكرى الرابعـة لاستشهاد الشيخ (عبد الله عزام) ، وبعد أربعة أيام من ذكرى استشهاد الشيخ (عز الدين القسام) ، شعر البطل بأن المكان محاصر من قبل قوات كبيرة من الجيش وحرس الحدود لم يشهد لها سكان الشجاعية مثيلاً من قبل ، حيث قدرت بأكثر من (60) سيارة عسكرية من مختلف الأنواع والأحجام ، إضافة لسيارة إسعاف عسكرية وسيارة لخبراء المتفجرات ومطاردة طائرة مروحية حلقــــت فوق المكان إلى جانب عدد كبير من سيارات الوحدات الخاصة ، وشمل الحصار العسكري الذي شارك فيه المئات من الجنود الصهاينة وعدد من ضباط الاستخبارات بقيــــادة قائد المنطقة الجنوبية كافة أنحاء المنطقة الشرقية من حي الشجاعية ومنطقة سوق الجمعة واعتلى العشــــرات من هؤلاء الجنود أسطح المنازل المحيطة بالمنزل الذي تحصن فيه الشهيد القائـــــد .
وفيما بدت المنطقة أشبه بثكنة عسكرية حيث تواصل قدوم التعزيزات العسكرية أخذ أسطورة غزة بالانتقال من مكان إلى آخر باتجاه جنود الاحتلال من مسدس عيار 14 ملم كان بحوزته، يروي أصحاب المنزل بأن الشهيد القائد قال : " حضر الآن موعد استشهادي " ، ثم صعد بعدها إلى سطح المنزل وقام بأداء ركعتين لله تعالى، وفي هذه الأثناء كانت قوات الاحتلال التي فرضت منع التجول على تلك المنطقة تقوم بعملية تمشيط واسعة بحثاً عن المجاهدين الذين نجحوا في الانسحاب والعودة إلى قاعدتهم ، شملت البيارات المجاورة والعديد من المنازل ، كما قصف جنود العدو منزل آل فرحات بالصواريخ المضادة للدبابات وأطلقوا النار بغزارة من اسلحتهم الرشاشة باتجاه المطارد الذي لم تحدد سلطات الاحتلال شخصيته حتى تلك اللحظة ، فأصيب بطلنا وهو يصلي برصاصة في ساقه ، إلا أن تلك الإصابة لم تمنعه من القفز من أعلى المنزل باتجاه الأرض صارخاً الله أكبر وتبادل إطلاق النار مع جنود الاحتلال الذين يحاصرون المنزل حتى فاز بالشهادة ، فقد أصابت إحدى القذائف المضادة للدروع الشهيد ومزقت جسده أشلاء حيث كانت الإصابة مباشرة في منطقة الرأس التي تناثرت إلى عدة قطع لدرجة أن أجزاء من رأسه قد أزيلت وملامح وجهه الطاهر لم تعد تظهر على الإطلاق طبقاً لما رواه الشاب نضال فرحات (24 عاماً) الذي قام بنقل جسد الشهيد خارج المنزل .
وإذا كان الرصاص قد نال من (عماد عقل) وفاز بالجنة التي عمل وسعى لها ، فإن الشهيد القائد قد أحاط بجنود العدو قبل أن يتمكنوا منه وأوقع فيهم عدة إصابات .
خافو منه حياً وشهيداً
مثلما كان الشهيد رحمه الله عظيماً بقدرته على زعزعة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من جيش وشرطة وحرس حدود وأجهزة مخابرات ببطشها وجبروتها ، كانت جثته الطاهرة عظيمة أيضاً بما أوقعت من خوف ورعب في نفوس المئات من جنود الاحتلال وعلى رأسهم الجنرال اميتان فيلنائي قائد المنطقة الجنوبية الذين وقفوا عاجزين عن كتمان ما اعتراهم حتى بعد أن تيقنوا أن المطارد الذي يحاصرونه قد قتل ، لما إن أبلغ الجنود الذين اعتلوا سطح بناية مجاورة لمنزل آل فرحات بأن إحدى القذائـف أصابت المطلوب بشكل مباشر حتى بدا الارتباك على وجوه المجرمين الذين أخذوا ينظرون إلى بعضهم البعض ماذا يفعلون ومن الذي سيدخل أولاً .
ولكن جبن حفدة القردة والخنازير منع أي منهم من دخول المنزل ، وعندئذ لجأوا إلى منزل المواطن زهير اسليم القريب من مكان الحادث واقتادوه تحت الضرب وتهديد السلاح إلى منزل آل فرحات بعد أن أخبرهم عن اسم أصحاب هذا المنزل ، وبعد ذلك قالوا له نريدك أن تحضر لنا أصحاب المنزل من الداخل وتبلغهم أن يخرجوا ، فرفض المواطن الفلسطيني في البداية خشية أن يتعرض لإطلاق النار ، ولكنه اضطر للدخول ونادى على أصحاب المنزل من الداخل بعد أن اعتدى المجرمون عليه بالضرب وألبسوه الخوذة العسكرية وهددوه بإطلاق النار عليه إن استنكف عن الدخول .
خرج الشاب نضال فرحات أولاً ، فبدأ ضباط الشاباك باستجوابه والتحقيق معه حول ما إذا كان يوجد مسلحون أم لا وسألوه عن الشخص الذي قتل في الداخل ولماذا جاء إلى المنزل ثم طلبوا منه أن يخرج جميع أهل البيت حيث تم اقتيادهم إلى مكان قريب من المنزل ، وعندئذ ، قال ضباط العدو للشاب نضال بأنهم لن يدخلوا المنزل حتى يدخل هو ويحضر لهم الجثة الموجودة في الداخل ، وبالفعل ، حمل نضال الجثة ووضعها خارج المنزل أمام جنود العدو الذين لم يخفوا حقدهم الأعمى على الشهيد القائد الذي دوخهم حياً وبعد استشهاده ، فأخذوا يطلقون النار بغزارة على الجثة الطاهرة التي أصيبت مجدداً بحوالي (70) رصاصة في حين قام بعض المجرمين بطعنها عدة طعنات بالسكاكين .
وبعد إجبار نضال وشقيقيه وسام ومؤمن على خلع النصف العلوي من ملابسهم وتقييدهم بالحبال ، اقتحمت قوات الجيش الصهيوني المنزل وقامت بتفتيشه بصورة دقيقة والعبث بمحتوياته وحفر عدة أجزاء من أرضيته مما أحدث بالمنزل أضراراً بالغة ، ولم تنته عمليات التمشيط والتحقيق مع أصحاب المنزل إلا في الساعة العاشرة ليلاً حيث غادر عندها جنود الاحتلال المنطقة وهم يطلقون العيارات النارية من أسلحتهم الأوتوماتيكية في الهواء تعبيراً عن فرحتهم بهذا الحدث العظيم ، كما قام عدد منهم بالرقص فرحاً وطرباً لمقتل البطل القائد وأخذوا ينشدون (عماد .. عماد .. !!) .
وسط مشاعر الغضب التي سادت الشارع الفلسطيني ، أظهرت جماهير شعبنا في حي الشجاعية مقدار الاحترام الذي تكنه لكتائب الشهيد عز الدين القسام وقائدها البطل (عماد عقل) وجسدت الشجاعية موقفها بالفعل الجهادي اليومي وفي التصعيد الذي شهدته فعاليات الانتفاضة المباركة في أعقاب الإعلان عن استشهاد القسامي إلى جانب إطلاق اسم الشهيد على مدرسة في الحي ، ولعل التحدي الذي أظهره أهل الشجاعية للوجود العسكري الإسرائيلي المكثف بتجميعهم الأجزاء التي تركها المجرمون على حائط وأرض المنزل من رأس الشهيد ودماغه وفمه ووضعها داخل علم فلسطين كتب في وسطه عبارة (لا إله إلا الله) ودفن هذه الأشلاء في إحدى مقابر الحي ، كان تعبيراً صادقاً عما تكنه الشجاعية لشهيدنا حيث شارك نحو خمسة آلاف شخص يرفعون المصاحف.
تعليقات